الجمعة، 28 أكتوبر 2011

سلــوي ( الحلقة الثانية )

تقلب علــى الجهــة اليســـرى ..، إنكمـش فــي صـــورة الإعتكــاف..، وضــم يديه إلى صــدره..، وغــاص في رحلـــة أخرى مــن سفـر النوم..، أحس بلفحات البرد..، جذب الغطــاء وغــطى رأســه ..، وترك فتحة صغيرة للشهيق والزفير..، كأني به شعر بشوق الحنان ..، وإستبق الحضن الــذي فقده بوفاة والــده... ، حدثتـه نفســه في لحظة البرق و إستفاقة قصيــرة ...، تملمــل فــي فــراشة ..، و سافــر معها نحــو المدرســة الإبتدائية ..، هنــاك تجلــس حبيبتــي سلــوى فــي المقعــد الأول ..، تلبس مئزرا أبيضا..، وثوبا مُــزركشا بشــراشيف زرقــاء ..، كانت الأم قــد حاكته لها فــي الصيــف الماضي تحسبا للدخول المدرسي..، لقد حــافظت عليــه منــو ، فكانت تتفقــده كل أسبـوع لتراه في حلته الأنيقة ...، لبسته هذا الصـباح وتعطرت بعطر والدتها...، وأمسكت بالضفائر الطويلة وزينتها بالفراشـات...، و خرجت تعـدوا و تسابـق الخطوات و هي تتمايل كزهرة الشمس ..، بيضــاء اللون هـي ..، نحيفــة بطــول مُعتــدل ..، عـميقة العينيين ..، صغيرة الفاه ..، رقيقة الشفتين ..، منحدرة الأنف ..، متوسطة الجبهة في إستواء مكتمل كقرص القمر في يوم صافي زين السماء ..
دخلت المعلــمة .. نادت على الحضـور ..، سألتهم : أين قضيتم العطلة الصيفية ..؟، تعالت الأصــوات ، و أرتفعت الأيــدي ..، و صــار كل واحــد يحكي يومياته التي قضاها في عنفوان المــرح ..، سمعت المعلمة قصصهم وتفاعلت معهم ..، و ضحك الجميع ..، كانت سلوى هادئة تراقب تلك الوجـــوه الباسمــة .. ، تشاركهـــم فرحــة اللقاء وترسم على شفاهها إبتسامة صغيرة ..، قامت المعلمة من بين الصفوف ..، تخطوا بخطوات متثاقلة تراقب تلك الوجوه البريئــة ..، و تمســح على رؤوسهم بحنان الأم.. ، من هناك إلى هنا توقفت... ، وإنحنت تهمس في إذن سلوى ..، وأنت حبيبتي أين قضيت عطلتك الصيفية .؟ طأطات ر أسها في حنو التواضع ..، و ضمت كفيها وقالت بصوت ملائكي رخيم : في الضيعة يا معلمتي ..، قالت لها: و هل تحكي لي يومياتك في الضيعة ، ؟
إنحنت برأسهــا فــي إشــارة القبــول .
قامت المعلمة ، و قالت : يا أولاد اليــوم نسمـع حكايــة زميلتكـم سلوى في الضيعة ..
صعدت سلوى للمصطبة و وقفت فــي كبــــرياء الخجـل و قالت : فــي كل سنة بعد ما تنهي الــدراسة ..، يأخـذني أبي في نزهة للمدينة.. ، نزور حديقة الحيوانات ..، أشاهدهــم ..، أقـــف أمامهــم أحدثهــم همس الأطفــال..، ألهــوا و العـــب معهم ..، مــرة على القــوارب المائيــة في الحـوض ..، و أخرى على المراجيح ..، وثالثة أركب السيارة الكهــربائية مــع أبي نسابق الأخــرين ..، و يمــر يومنا مـن الصبح للمساء وأبي لا يحرمني من أي شيء أطلبــه ..، و دائما يمتـدحني و يقول : ( يا منو يا قمر ما في أحلى منو )،كل ماتحصلين على نتائج ممتازة رايح أسفرك على كل سنة للعاصمة ..، نتعرف عليها ، ونتعلم قصص السفر ..، وتشاهدي ناس وحواديث وأزهار و شجر ..، يا بنتي يا حبيبتي الدنيا كلها سفر..، أحسن ما فيهــا أن نسعد و نتمتع بكل نجاح نحققه ..، ونرجع للبيت بعد غروب الشمس ..، و فــي اليوم الثاني نرحــل للضيعـة حيث شجــر الزيتون ، والعنب ، والحيوانات ..، هناك جدتي و جدي ، وأخوالي وأعمامـي ..، و أطفال الجيران..، ألعب معهم الغميضة ..، و أتسابق في صعود الوديان ، وأقطف من التلة أزهار وبنفسج و رمان..و لي صديق إبن الجيــران يكبــرني مثل أخــي يحمينـــي من أطفــال مشاغبين الضيعـة .. عندما تـرسلني أمـي للحانـوت لأشتري بعض الحلوى أو الحاجات الضــرورية أثنــاء غياب أبي..،و أسترسلت حبيبتــي سلوى فــي يـــوميات الصـــورة ...، و التلاميــذ منبهــرين بســردها الرائــع و بفصاحتها اللغـوية..، وهي تُشَكِلُ الحركات لغة صحيحة وسليمة.
أكملت ...، صفــق لها تلاميــذ الفصـــل.. ، قامت المعلمة و قبلتها ..، وقالت يا أولاد لازم نتعلم أن العطلة ليست للهلو والمرح فقط ..، هاهي سلوى تذهب للكتاب تتعلم اللغة وحفظ القرآن و سحر البيان ...
دق الجرس..،خرج الأطفال.. أسرعت سلوى للبيت ..، كان يوما حافلا من عناق الدخول ..، إستقبلتها أمــها بلهفة الإنتظار ..، و أحتضنتها لتقدم لها الغذاء ..، وقالت لها أحكي لي ماذا حدث معـك في اليوم الأول من السنةالجامعـية يا(منو يا قمر مافي أحلى منو )
قالت سلوى : يا أمــي الجامعــة حــلمك و حــلمي أبــي ..، و أنا أريــد أن أصبــح طبيبـة لأعالج أبي من مرض السكر ..، فقد تعب وما عاد جسمه يتحمل مشاق العمل والسفر .
يا أمي اليوم :

.../... يتبع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق