الجمعة، 28 أكتوبر 2011

ســلوى -قصة قصيــرة ( الحلقة الخامسة والأخيرة )

الـــديك يــعلن عن ميــلاد الفجـر ..، يؤذن في الناس.. ، خيوط الليل ترحل الواحدة تلوا الأخـــرى ..، يُفـــرك عينـــاه المتعبتـان ..، يتلمـــس ملامـح وجهه ..، يغلبه النعاس ..، و يغفــو بأمنيــة يُحدثــها لنفسه سوف أنهض ..، لا يزال وقت الصــلاة بـــعد ..
يغــرق في تفاصيل العودة ..، يستشعر بأنه معهم في الحافلة ...، يجلس من خلفهما و يتصــنت..، يحــاول أن يستــرق التمتــمة ...، و يجتــهد متطفلا رسم حديث العيون..
سألها سامــي : ما إسمك .؟
قالت سلوى مصطفي الحكيم .
قال لها : وأي كلية تدرسين ؟
قالت :كلية الطب .
قال لها : قصيــدتك أعجبتني كثيــرا لأنــها تعبـــر عن أجمــل روح في الحياة ( الـأم )
قالت : أهــوى الشعر، و كتبت أول قصيــدة و عمـــري لا يتجاوز الرابعة عشر
قال : ما أجمــــل نبــرات صــوتك و أنت تتغزلين بالحـــروف بــوح المطـــر
قالت : أحب المطـــر والبحـــر .. و كذا الشعـــــر .. وفيـــــــــــروز
قال لها : و أنا كذلك ..، و أحب الـــريشة ، و المـــوسيقي
قالت: ما إسمك .؟
قال : سامي الخـوري طالب هندسة ، مسيحي ، و أكتب الشعر عيونه رسما للعاشقين
ابتسمت ... ظهـــر من بين الشفـــاه بياض الثلــج ..،
وقالت : أشكــرك لـأنك أحضـــرت لي الطعام و نحن نـغني للربيع قصائد الياسمين .
قال: وددت أن تشاركيني إياه ..،
حدثتني نفسي أن اللقاء سيكون أفضل بمكرومة القبول ... فأتيت إليك ..
قالت : في أي سنــة دراسيــة أنت. ؟
قال : لم يبـــق إلا عامـــا واحــد على التخــرج وأنت ِ.
قالت : أنا السنــة الثانيـــة لا يـــزال المشوار طويـــلا .
فــتح محفظتــه و أخــرج كتيبا للكاتبة :غـادة السمان ( أعلنت عليك الحب ) وخط بالقلم ( هدية للشاعرة القدير ة : سلوى مصطفي الحكيم . ، وأعطاها إياه ..
وخاطبها قائلا : لا تحبسيه في سجن المكتبة هناك على الرف. . أختاريه رفيقا لك في السفر ..
ثم أبتسم و قال : إنها دعــوة مني لتعانقي كتابات غادة السمان الرائعــــة .
أمسكت بالهدية ..، و قالت بصوت رخيم شكرا لنبلك .
توقفت الحـــافلة أمام الحـي الجامعي ...، نزل الجميع ..، أسرعوا لغرفهم طلبا للإنعتاق من تعب السفر
تأخـرت قليلا .. توقفت.. وألتحمت بعيون البرق زمننا طويلا ..، وأسدلت جفون العيون العسلية ، كالشمس وهي تــودع النهار ..، تمنت لحظتها لـو طالت الرحلة عمرا أخرا لا يفارق فيه القمر نجمته .
عمــرا أخــرا من زمــن اللقاءات ..، هناك في طريق المسرح رأته كالبدر صدفة عانقته بعيــون الفجر و هي تســارع الخطوات نحو أمسية (مارسيل خليفة )،.. دعتــه كضيــف شرف ..، قبــل الدعــوة و سارا كطفلين يلهـــوان فيتسابقان نحو الـــوادي يغنيــان مع الفراشات زهر الربيع ، .. أمــسك بيدها و هما يرحـلان مع موسيقى العود..، يرقصان على نغمة الــروح نظــر إليها و فــي بحر ه تتلاطــم أمـــواج الحــب ..
وقــال لها : ليت القـــدر يهبنـــي حبيبة مثلك ..، تشبهـك.. كأنك أنت ..
صــمتت بعيــون الوهــج ..، و نامــت بالحضور ثوب العـــرائس ..،أخــرجت من حقيبتها السوداء شـريطا لفيـــروز و همست لــه :
( هــو لك نغمــا لكــل لحظــة تعانــق فيهــا وســادة الحلـــــم )
و قبل أن يسدل الستــار على تـــواشيح الأمــسية :
قال لها : هل تقبليـــن دعوتـــي على مائــدة التكرم عــلى شــرف أمــي ..
قالت : أكون سعيدة أن ألتقي بهذه الروح التي حملتك عمرا و وهبتك لي عـــاشقا أُتعب القمر في ليله..وأفترقا على أمـــل اللقاء ..
وفي الغد كانت على الموعــد مع أخــتها .. رنت الجرس ..
فتحت الباب أم سامي..، و قالت : هــلا بالملاك الذي وشح صدر الزمن الذي بقي لي من الذرية .
عانقتــها عنـــاقا طويلا ، و قالت: لها تفضـــلي :
توقفت سلوى في صمت منبهــرة .. ، إلتصــقت عينـــاها فــي جــدار قاعـــة الضيوف ..، تغرغــرت عيناها بالدمـوع..و أحتبست على جفن الكحل ..، وهامت بها الصورة التي رسمها سامي على جدار العشق .
يااااه ...، لهيب من زفر الروح يشق ظلمة الليل ..، يشع البرق كسيف الضياء ..، و يعلن في القلب ثورة حكاية العذرية الخالدة وقالت : كيف رسمتني بهذه الصورة و أنا لم أهديك صورتي .
قال : و هو يتسلل مع بريق الدهشـــة .. إنها عيـــون القـلب من تتــحسسك ... و ترسمـــك ...
يفعل الــزمن في تقلباته أساطير الحقيقـة ..، و يتخرج سامــي ليباشر حياتـه بعيدا عن المدينة.. ، و تكمل حبيبتي سلوى طريقها نحو سمـــو الغايات ..
يغيب الغياب ..، و يبتعد البعد مسافات مـــوجعة ..، و يغتــال الــزمن لحظـــة العناق بفواصل الغيبــة المكرهة .
هكــذا يـرسم الحلـــم نهايتــه بعنــاق الفجــر ليغــرد العصفــور على فـنن الخــريف ..
كم نشتـــاق لعيــون الحــلم كل يوم..، و نحــن نعانــق رؤيا الــرجاء .. يسرقنا الزمن.. ،و يسرق في البــعد لحظــات تُبصـم الطبيعــة على حــركاتها و سكنـــاتها ..
تقف يومــا حبيبتــي سلـــوى على الفاجعــة ..، عنــدما يشتــد بها وجــع المــــــاضي فتســأل فــي الذاكرة بحثا عنــه ..
تدخــل عالــم النت و من نافــذة غــوغــل ..، و تكتب إسمـــه لعلها تجــد له خبــرا .. تسقط الدمـــعة و تتحجـــر الزفـــرة ..، و تتصلب اللحظــة في خشــوع الصــــلـاة ..
توفي سامي الخوري بسبب تضخم في القلب ..
لم تصــدق أن القـــدر يسبــق الأمنيــات ..، تســأل عنــه و تكــذب ما رأت..، و تنتـــقل بالســـؤال عنــه .
تسأل .. و يكــون الجــواب : إنــها الحقــيقة ..
يغيب البرق بين الغيــوم ..، و تتلـــبد السماء بالصمـت غيث النــزول ..، و تهب عواصف القحط نحــو وادي النسيــان .
مات ... ســـــــامي ..
ومات أخـــوه قبلــه بنفس العلـــة.. و تكون الـــوراثة هادما لصـرح الأمنيات الإنسانية ...
تعيد حـــبيبتي سلــوى شريــط العمــر ... تتــوقف عند إصــرار والدته على زواجه و هو لا يزال طالبا جامعيا.. ، كأنها تعلم بالقدر المحتوم ..، تتذكر سلوى ذاك الوجه المقمر ..، و هو يبتسم في ملائكية الصدق .. و عنفوان البراءة .. تمسك بتلابيب الزمن وتجره نحو الشاطئ غزلا بالموج عناقا شــفافا بهيا .
لم تسأل يوما عن الرابطــة الحتمية لكل حب لأنه أمر محسوم ...، لكن للعصافير أ غنية لا يفهما البشر ...
أستيقـــظ من نومــــي ، اتلمـــس بوجــف القلب خــــدي ... امســك بالدمعـــة التي غافلتنـــي وسقـــــطت بالهـــــروب عنــــوان قصيــــدة عمــــــري .. أنظـــــــر فــي مـــرآة الحقيقـــة و أمســـك بتـــلابيب الوجـــــع وأرمـــي أوراقــــــي فـــي البحــــر و أمضـــي بعيــــدا نحـــو الشــمس .. فأسمــع مــــوج البحــــر يئــن ثـــورة الـــآه...
  إنتهــــــــى ( .........)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق